اخر الاخبار

هجوم ‏العمالقة ‏: ‏بعد ‏الانبعاث ‏2


« الفصل الثاني: أكرمان »


فضول فين الشديد لمعرفة ما يقبع خارج القرية جعله يرغب في الانضمام لِفَصيل دي ييغر، لكنه كان أصغر بكثير من أن يتم قبوله كقناص، فقد كان عمره حينها 9 سنوات فقط، بينما لا يتم قبول قناصين جدد إلا بعد إتمام 15 سنة. كان فين يقضي معظم وقته مع أخيه الأكبر جايكوب في مزرعة أبيهما يساعدانه في الحرث والعناية بالمحصول. وكان فين يحب محادثة جايكوب عن رغبته في رؤية ما يوجد خارج القرية وعن كيف يتخيل العالم الخارجي.

كان جايكوب يكبر فين بخمس سنوات، لكنهما كانا مقربين جدا وكأن فارق السن أصغر بكثير. فلم يكن لِـ فين أصدقاء غير أخيه، فقد كان فتى مُنطَوٍ قليلَ الاختلاط بالآخرين. كان جايكوب يحب محادثة أخيه فين، وكان يحب الاستماع إلى كلامه عن العالم الخارجي باهتمام وتركيز شديدين، مع ابتسامة مليئة بالفخر بأخيه الصغير.

في أحد الأيام، وهما في عائدان للمنزل من مزرعة أبيهما، وقف الأخوان فين و جايكوب فوق الجسر الأوسط يطلان على النهر ويتأملان انعكاسَ لونِ سماء الغروب الأحمر في الماء الجاري. سرح فين بخياله كالعادة، وانتبه إليه جايكوب:
– ”أين سِرتَ بخيالك مجددا يا فين؟“
– ”أتعتقد يا أخي... أن نجد نهرا خارج القرية أكبر من نهرنا هذا؟ أو ربما نجد نهرا أحمر اللون دون رؤية لون السماء فيه؟“
– ”توقعت ذلك،“ قالها جايكوب مع ابتسامة حنونة، ثم أكمل وهو ينظر للنهر مجددا: ”ربما. كل شيء ممكن في الخارج... في الواقع، لقد جعلني حديثك الدائم عن الخارج أشعر بفضول أكثر بكثير من ذي قبل لرؤيته... إن فهمتَ ما أقصد.“
– ”هل حقا تقصد...؟“
– ”نعم يا فين.“ ثم عقد حاجِبَيه والتفتَ إلى فين وأكمَل بصوت خافت: ”سأنضم لهم. سأصبح العام القادم قناصا وسأخبرك عن كل ما أراه خارج القرية.“
رفع فين حاجِبَيه، فتح فمه، ثم عَلَت وجهه ابتسامة عريضة تعبر عن فرحه الشديد. كان على وشك الصراخ من شدة الفرح، إلا أن جايكوب أغلق له فمه وأكمل حديثه:
”لكن يجب أن تعدني يا فين بأن لا تخبر أحدا بأي شيء أقوله لك، فالزعيم "ستُوِيك" يُحَرِّم على القناصين الحديث عن الخارج، وأنت لا تريد تعريض أخيك لأيّ عقوبة، أليس كذلك؟“
– رد عليه فين بحماس: ”أعدك يا أخي! لا تقلق!“ ثم عانقه عناقا حارا وهو يقول له ويعيد: ”شكرا لك يا أخي... أحبك كثيرا...“

بعد سنة، وبعد أن أتم جايكوب 15 سنة من عمره، ذهب إلى زعيم القرية ليُعَبِّر له عن رغبته في الانضمام لِفَصيل دي ييغر. وافق الزعيم ستُوِيك على الفور، فقد رأى أن جايكوب فتى ذو بنية جسمية مناسبة، فقام بإرساله إلى المعلم "آيزاك" الذي يدرب ويقود فَصيل دي ييغر لكي يضمه إلى فرقة المتدربين. عاد جايكوب إلى منزله بعد أن تعرف على معلمه وعلى زملائه الجدد وأدّى القَسَم. استقبلته أمه بفخر شديد، عانقته بشدة ثم وضعت يديها على كتفيه وهي تنظر إلى عينيه مع ابتسامة خفيفة كلها قلق، وتقول له: ”جايكوب يا بني، اهتم بنفسك، وعد إلي سالما غانما في كل مرة.“ قبل أن يجيبها جايكوب، فتح أبوه الباب ودخل عليهما وارتمى إلى جايكوب معانقا إياه بفخر شديد وهو يضرب على ظهره ويقول له ”لقد كَبُر ابني وسيصبح صيادا، يا لفرحتي! أنا فخور بك يا بني!“

كان فين، ذو العشر سنوات حينها، وحده في المزرعة، فقد تركه أبوه وذهب مسرعا للبيت بمجرد سماعه خبر قبول ابنه في فَصِيل دي ييغر الذي لا يقبل سوى نخبة الشباب. كانت مشاعر فين مختلطة بين الفرح والفخر بأخيه والغيرة منه، فقد كان يتمنى لو أنه كان مكانه، لو أنه لم يكن مضطرا للانتظار خمس سنوات أخرى.

لم يستطع فين الانتظار وحده في المزرعة، فقام بحمل أدوات أبيه في حمالة الظهر الخشبية وقصد البيت عائدا ليهنئ أخاه هو الآخر. دخل فين البيت، وضع الأدوات في مكانها المخصص قرب الباب، وبدأ يجول بعينيه في المكان مستغربا. لم يكن هناك أحد في غرفة الجلوس، ولم يكن يُسمَع أي صوت في المنزل. غرفة نومه التي يشاركها مع جايكوب كانت فارغة، وباب غرفة والِدَيه كان مغلقا. بدا له وكأنه يسمع صوت جايكوب قادما من غرفة والِدَيه. اقترب فين من باب الغرفة، فتأكد أن ذاك صوتَ جايكوب، لكنه كان يتحدث بكلام متقطع، وبِلُغَة معظمها غير مفهوم.

من شده استغرابه، فتح فين باب الغرفة دون استئذان، فوجد أخاه جايكوب جالسا مع والديه على سريرهما وفي يده كتاب قديم يقرأ منه، وعلى حجره وشاح أحمر مهترئ، وعلى السرير كيس أسود غريب. لم يفهم فين أي شيء. وقف مصدوما ينتظر تفسيرا من أحدهم، لكنهم كانوا مصدومين هم الآخرون، فلم يتوقعوا عودة فين ودخوله الغرفة دون سابق إنذار.

ارتبكَ الأب ولم يعرف ماذا يفعل، لكن الأم نهضت من مكانها وهي تقول لِـ فين: ”تعال إليّ يا صغيري. سأشرح لك.“ عانقته، ثم نظرت إلى زوجها وكأنها تستأذن منه، فأَوْمَأَ برأسه بالإيجاب، ثم أكملت كلامها:
–”لم يكن هذا في الحسبان، هذا مبكر بالنسبة لك. كنا نَوَدُّ إخبارك أنت أيضا عندما تصل إلى سن جايكوب. لكن بما أنك قد رأيت ما رأيت، فسنخبرك أنت أيضا. لكن قبل ذلك، يجب أن تعدنا يا فين بأن لا تتحدث عن ما ستسمعه لأيّ كان. لا أريدك حتى أن تتحدث عنه لاحقا مع أخيك ولا مع أبيك، ولا حتى معي أنا.“
– ”أ... أعدك؟“
– ”انظر إلي! وعد يا فين؟“
– ”و... وعد يا أمي.“
– ”حسنٌ... بُنَيّ، فين أكرمان، لطالما سألتَني عن ما يوجد خارج القرية، وعن ما حدث في الماضي، عن الكارثة التي حَلَّت بالبشر. حقيقةً لا أعلم عن الكارثة شيئا، لا أنا ولا أبوك، لكن ما نعلمه هو ما استطعنا فهمه من هذا الكتاب الذي لا يعلم أحد غيرنا بوجوده، الكتاب الذي يصف العالم الخارجي قبل الكارثة، ويحكي ما حدث قبل مئات السنين، الكتاب الذي يحكي حياةَ سِلفَتِنا ميكاسا أكرمان.“

--- يُتبَع في الفصل الثالث

إرسال تعليق

0 تعليقات