عندما كان طفلا لطالما استاء من تلك الأسوار التي تحيط به و تقيد حريته .. خاصة عندما علم من أرمين العجائب التي تقبع خلف الأسوار .. صحار و ثلوج و براكين و بحار .. أشياء لم يسبق لهم رؤيتها داخل الأسوار ..
إيــرن كان طيرا يتوق للحرية و الأسوار كانت قفصه .. و الحرية عند إيــرن أمر مهم للغاية .. أمر لا يفاصل فيه .. أن ينالها و يحافظ عليها الأمر عنده أقوى مما هو عند أي أحد آخر ..
ما الذي قد يدفع شخصا تبقت له أربع سنوات من حياته أن ينهض ليتحمل كل تلك الأعباء ويقوم بكل تلك المجازر و قد كان بإمكانه ترك كل شيء و الهروب مع من أحب و يعيش ما تبقى من عمره طليقا غير مهتم ؟
.. إنه نفس الشيء الذي دفعه طفلا لأن يتدخل من أجل إنقاد فتاة بالكاد يعرفها و قام بقت ل أشخاص بالغين من أجل إنقاذها ..
إن مفهوم الحرية جوهري لديه و إنقاذ هذه الحرية أمر مهم .. متى آخر مرة رأيت طفلا صغيرا يقت ل بتلك الوحشية و التصميم و ينعت مقتول يه بأشنع الألفاظ كأنه مجنون ؟؟ ..
إن الحفاظ على الحرية يتعداه هو إلى محيطه .. لا يستطيع التعايش مع علمه أن حريتهم مهددة .. لذا لا يستطيع القعود دون تدخل و هو يراها تسلب ..
لقد ولد بهذا المفهوم فهو غريزي لديه .. هذا ما حاول إيصاله الكاتب في الفصل الأخير .. إيــرن لا يعرف كنه ما يجعله يتصرف هكذا .. لا يعرف ماهية هذا الدافع الذي يحدد هويته بهذا الشكل .. ما الذي يجعله يتخذ كافة الإجراءات المتط رفة للحفاظ على حريته ..
قد يظن البعض أن الدافع وراء القضاء على ملايين البشر هو الإنتقام .. لكن الدافع مختلف.. الدافع وراء ذلك هو الحفاظ على هذه الحرية ممن يرغب في سلبها ..
لقد كان غاضبا من العالم صحيح .. لكن ليس هذا الغضب هو السبب في الدك .. و إنما الدك هو الطريق الوحيد الذي رأى بأنه سيحقق حريته و حرية شعبه ..
مما يدلك على هذا : ما حصل في الفصل 123 عندما سافرت فرقة الإستطلاع خارج الأسوار لحضور مؤتمر اجتماع العالم لتقرير مصير بارادايس ..
إيــرن رغم أنه رأى المستقبل إلا أنه كان لا يزال يحتفظ ببصيص من الأمل في تغير الأمر .. أملا في أن تكون تلك الذكريات كاذبة ..
أملا في أن يحدث شيئ يجنبه المصير الوحشي الذي هو مقبل عليه .. حتى أنه أراد عند سؤال ميكاسا أن يرى هل ستحدث الأمور بشكل مختلف ..
و عندما رأى أن العالم مصمم على مهاجمة الباردايس .. على سلب حريته .. أدرك أن ذلك لن يحصل .. لن يصل العالم لتفاهم مع شعبه .. لقد كانت تلك هي الضربة القاضية لآماله .. وحينها ترك الإجتماع .. لقد قضي الأمر .. إنه صراع بقاء بين العالم و شعبه .. و عليه أن يتخد إجراءا تجاه من يريدون سلب حريته ..
عندما خرج من هناك كانت تلك آخر مرة يرى فيها رفاقه حتى الهجوم على ليبريو .. الأحداث التي تلي خروجه من المؤتمر نراها في الفصل 131 .. لقد تأكد أن كل ما رآه في الذكريات سيتحقق ..
أدرك أن أولئك الناس الذي يمشي وسطهم هم ضحاياه في المستقبل .. و رأى الصغير رمزي يُضرب و تذكر أنه رأى في الذكريات أنه أنقذه .. لقد تساءل عن جدوى إنقاذه و هو من سيقوم بتحطيمه بعدها .. لكنه عاد لينفد الأمر الذي رأه لأنه يجب عليه اتباع خطوات الذكريات ..
في ذلك الفصل شهدنا الصراع النفسي عند إيرين .. إنه يحتقر نفسه لأنه سيقوم بمجزرة .. شهدنا انهياره بين يدي رمزي .. لقد اعترف أنه متناقض و أسوأ من راينر فكيف يهتم بأشخاص سيسفك دما ءهم بعد ذلك ..إنه يعلم مدى بشاعة الأفعال التي هو مقدم عليها ..
و لكن عندما يضع حريته و حرية العالم في الميزان ترجح كفة حريته دائما .. إنه لا يستطيع تقبل القضاء على شعبه .. لا يستطيع .. لأنه لا يساوم في حريته لقد ولد هكذا .. هذا هو الفرق بينه و بين الآخرين حتى من الذين يشبهونه ..
جريشا مثلا .. كان يسعى للحرية له ولشعبه .. لكنه عندما رأى الدمار الذي جلبه سعيه ندم .. لقد قال أنه لو علم أن هذا هو الثمن الذي عليه دفعه لتحقيق الحرية ما كان ليدفعه .. حسنا .. إيــرن علم الثمن الذي سيدفع لتحقيقها .. وهو ثمن أغلى و أكثر شناعة مما أداه جريشا .. و مع ذلك قرر إيــرن أن يدفعه .. هذا هو الفرق بينهما ..
في الماضي .. كان إيــرن يريد أن يكتشف العالم .. أن يرى جميع تلك الأشياء التي أراه أرمين .. كان يظن أنه إذا خرج من الأسوار سيكون حــرا .. لكن عندما خرج وجد مزيدا من الأعداء .. بل عالما كاملا من الأعداء يحتقرونه و شعبه .. لهذا عندما علم بوجود البشرية كان .. خـائــب الــظــن ..
في صغره كانت الحرية عنده تأتي بأفكار إيجابية .. الخروج من الأسوار و رؤية البحار و الصحارى و الثلوج و كل ما قرأه في كتاب أرمين .. لكن .. تحولت الحرية لديه إلى دماء تس فك و عظام تكسر و أرواح تدك ..
يرسم لك إيساما هذا في لوحة رائعة و مؤلمة في الفصل 131 حيث ترى الطفل إيــرن ( بكل ما تحمله صورة الطفل من براءة و أمل ) تراه سعيدا و كأنه يطل على كل ما يحلم برؤيته .. كأنه يطل على الحرية ( صورة الحرية الإيجابية التي طالما حلم بها ) .. ثم يصورلك إيساما تحتها مناظر الدك المروعة .. دعس و ق تل و تحطيم .. هذا ما تحولت له الحرية .. بعد أن كانت حلما جميلا .. أصبحت كابوسا مروعا ..
إنها حقا مأساة .. بالنسبة لملايين البشر نعم .. و أيضا بالنسبة للطفل الذي كان يسعى للحرية ..
نعم إيــرن كان مجبرا على تتبع مسار من الأحداث .. لكنه هو الذي اختار ذلك المسار .. اختاره بناء على طبيعته التي تسعى الحرية و تعادي كل من يريد سلبها .. لكن .. هل هذا يبرر الأفعال التي قام بها ؟؟!! .. ربما نناقش ذلك في منشور آخر ..
شكرا على القراءة و دمتم في رعاية الله .
0 تعليقات