اخر الاخبار

هجوم ‏العمالقة ‏: ‏بعد ‏الانبعاث ‏3

« الفصل الثالث: أرليرت »

ينظر فين ذو الثلاثة عشر ربيعا إلى كلبه، وصديقه الوحيد، سيباستيان، فيجده مستيقظا قبله باسِطًا ذراعَيه بجانبه، بينما هو لا يزال مستلقٍ مكانه. يبتسم فين إليه وكأنه يقول له صباح الخير، ثم يحيد بنظره إلى السقف المهترئ مشبكًا يديه خلف رأسه، ويخاطبه قائلا: ”أتعلم يا سيباستيان؟ أشعر وكأنني استيقظتُ لِتَوِّي من أطول حلم مَرَّ عليّ.“ ينظر مجددا إلى سيباستيان بطرف عينه، ثم يقول له بنبرة تذمر: ”لا داعٍ لأن تنظر إلي هكذا. أعلم أنه لم يكن حلما.“ يصدر سيباستيان أنينًا هادئا وكأنه يتجاوب مع فين، ثم يكمل فين: ”نعم، لقد حدث كل ذلك فعلا، لربما قد بدأ كل شيء في ذاك اليوم قبل ثلاث سنوات. لا أزال أذكره جيدا، وخصوصا حديثي مع أمي حينها...“

”ميكاسا أكرمان؟ من هي؟ لم أسمع بها يوما!“ كان لِـ فين العديد من الأسئلة، ولم يعرف من أين يبدأ، فتساءل عن آخر ما ذكرته أمه.
– أجابته أمه بنبرة تعظيم: ”ميكاسا أكرمان، يا بُنَيّ، هي سِلفَتُنا التي حررت العالم من لعنة العمالقة.“
– ”لعنة؟ عمالقة؟ أنا لا أفهم...“
– ”أعلم، أعلم، لديك العديد من الأسئلة. لقد كنتُ مثلك عندما أخبرني أبي لأول مرة بكل هذا.“ التفتت الأم إلى جايكوب: ”ضع الكتاب جانبا يا بُنَيّ، وأنصت إلَيّ مع أخيك.“ وضع جايكوب الكتاب وجلس بجانب أخيه، فأكملت الأم: ”رجاءً، لا أريد أي تعليق أو أسئلة حتى أنتهي، فقط أنصتا، لأنكما على وشك سماع قصة أغرب من الخيال.“

بدأت الأم حكايتها بالعبارة التي كان يقرأها جايكوب عندما سمعه فين، العبارة التي يبدأ بها الكتاب: ”في ذلك اليوم، تذكر الجنس البشري رعب العيش تحت طغيانهم ووصمة العار في العيش كالعصافير في قفص.“ بدأت الأم من هناك، وحاولت قَصَّ كل ما فَهِمَته من محتوى الكتاب باختصار على فين و جايكوب، حتى ختمَتها بآخر عبارة فيه: ”حينما يروننا مع بعضنا هكذا، سيثيرهم الفضول لمعرفة قصتنا، لمعرفة لماذا أولئك الذين قاتلوا بعضهم البعض لسنين طويلة ظهروا الآن متحدين في جزيرة باراديس داعين للسلام. سيثيرهم الفضول لمعرفة ما رأيناه. فلنخبرهم بكل شيء.“

لم ينطق الأخوان فعلا أي كلمة طوال القصة، فقد أخرستهما غرابة ما كانا يسمعانه. لم تكن العمالقة الأمر الوحيد الذي أثار استغرابهما، فقد كانت تلك أول مرة يسمعان بجهاز يجعلك تقفز عاليا، بشيء تركبه ليحلق بك في السماء، بسلاح يقذف كرات حديدية مشتعلة، بمساحة شاسعة مغطاة بماء مالح، بل حتى بحيوان يُركَب ويجري بسرعة والإنسان على ظهره. كان كل شيء غريبا بالنسبة لهما في تلك القصة.

بَقِيَ فين صامتا حتى بعد انتهاء الحكاية، أما جايكوب فقد بادر أمَّهُ بالأسئلة التي جالت في خاطره أثناء الاستماع: ”هل الوشاح المذكور في القصة هو هذا نفسه الذي بحوزتنا؟“
– ”نعم، بالضبط. توارثناه في عائلة أكرمان جيلًا بعد جيل مع هذا الكتاب، وقمنا بالحفاظ عليهما داخل هذا الكيس المضاد للبلل والرطوبة.“
– ”صحيح يا أمي، ما سر هذا الكيس الأسود الغريب؟“
– ”إنه كيس مصنوع من مادة كانوا يسمونها "بلاستيك،" مادة لا تتحلل وتحفظ ما بداخلها.“
– ”وماذا عن الكتاب؟ هل كتبَته سِلفَتُنا ميكاسا بنفسها؟ ولماذا كلماته غريبة؟“
– ”الكتاب يا بُنَيّ مكتوبٌ بـ"الإيلدومارلية،" لغة أسلافِنا التي تطورت إلى اللهجة التي نتحدث بها اليوم. أما عن الكاتب، فهو ليس سِلفتنا ميكاسا، بل يحمل الكتاب توقيع السيد أرمين أرليرت.“

كانت أسئلة جايكوب لا حصر لها، لكن إجابات أمه كانت محصورة فقط في ما جاء في الكتاب وتتوقف عند نهايته، فلم يكن لديها أدنى فكرة عن ما حدث بعد عودة السيد أرليرت إلى الجزيرة، ولا عن حياة سِلفتهم ميكاسا بعد دفن محبوبها إيرين تحت الشجرة على ذلك التل. اِلتفتَت الأم إلى فين: ”وأنت يا فين؟ أليست لديك أي أسئلة؟“ لم يجبها فين حينها. نظر إليها لبضع ثوانٍ دون أدنى ردة فعل، ثم أَوْمَأَ برأسه بالنفي، وعاد إلى شرود ذهنه مجددا.

”فين، جايكوب، لقد عَهِدنا في عائلتنا لأجيال على أن نُبقي إسم "أكرمان" حيا ونورثه لأبناءنا وأحفادنا ومَن بعدَهم.“
– ”ألِهذا السبب أخذتُ أنا و فين إسمنا العائلي منكِ أنتِ عوض أبينا؟“
– ”بالضبط. تماما كما فعل أبناءُ بناتِ "يمير" مع إسم "فريتز،" وكما فعل أبناء سِلفَتنا ميكاسا من بعدها، فقد اتفقتُ مع أبيكم على ذلك قبل زواجنا.“ قالتها وهي تنظر إلى زوجها بابتسامة شكورة. ”لذا أوصيكما أن تُوَرِّثا الإسم لأبناءكما، وتوصياهم بتوريثه لأبنائهم من بعدكما ولو كانوا إناثا، وأن تحافظا مع الإسم على هذا الكتاب والوشاح، فهما إرث عائلة أكرمان الوحيدَين.“

انصرف جايكوب و فين من غرفة والِدَيهِما، وأعادت أمهما الكتاب والوشاح إلى الكيس وعقدت فُتحَتَه، ثم قامت بإعادته إلى مكانه. بمجرد دخولهما غرفتَهما، نطق فين أخيرا مخاطبا أخاه وعيناه تشع بريقا: ”لقد كنتُ محقا يا أخي، هناك فعلا نهر أكبر بكثير من نهر قريتنا، نهر مالح يغطي مساحة شاسعة، وهناك أيضا نهرا أحمر اللون دون رؤية لون سماء الغروب فيه، نهر يشتعل نارًا، وهناك حيوانات لم نرها من قبل، وأشياء أخرى لا تخطر على البال. من يدري، ربما يوجد أيضا بشر آخرون في الخارج.“
– ”بشر آخرون؟ لابد أن القصة قد أثرت عليك.“ قاطعه جايكوب مازحا، ثم أكمل: ”لا تنسى يا فين أننا وعدنا أُمَّنا بعدم الحديث عن هذا لاحقا. لماذا لم تتحدث عن هذا عندما كنا مع والِدَينا؟“
– عَبَس فين وأدار وجهه جانبا، ثم أجاب: ”لا يستحقان مشاركة أفكاري معهما.“
– ”ماذا تقصد؟!“ سأله مستغربا.
– ”لقد كانا يعرفان كل ذلك طوال الوقت، ومع ذلك كانا يكذبان عليّ. لم يكن في نيتهما إخباري أصلا، بدعوى أن هذا مبكر عليّ. أنت لستَ مثلهما يا أخي. أنا واثق أنك كنتَ ستخبرني عن كل شيء بعدما تحكي لك أمي عن الكتاب.“

أمضى فين تلك الليلة يشارك أفكاره مع جايكوب عن أحداث القصة، وعن التشابه الكبير بين ما حدث في الماضي وبين ما كان يحدث لهم في قريتهم. صحيح أنه كان في العاشرة من عمره فقط، لكنه كان ذكيا كفاية ليفهم أن ما كان يفعله الزعيم ستُوِيك هو تماما ما كان يفعله ملك الأسوار في الماضي، وأن تحريم الزعيم مغادرة القرية يعني أنه كان يعلم بوجود شيء ما خارجها ولم يكن يريد من البقية معرفته. نام فين، وبقيَ جايكوب يفكر في كلامه طوال الليل.

كان صباح الغد هو أول يوم تدريب لِـ جايكوب مع فصيل دي ييغر على يد المعلم آيزاك. كان أول تدريب له هو حفظ القواعد الثلاث: أولا، لا كلام في الخارج، ثانيا، لا عودة بعد مغيب الشمس من الخارج، وثالثا، ما يحدث في الخارج يبقى في الخارج. شَمِل تدريبه الثاني تمرينا على الإشارة الصوتية الوحيدة التي يستخدمها أفراد دي ييغر في الخارج، وهي تصفيرة بواسطة اليدين شبيهة بتصفير الطيور. أمضى جايكوب اليوم الأول كله يتدرب فقط على أساسيات رحلات القنص، ولم يبدأ التدريب البدني حتى اليوم الثاني. شملت التدريبات البدنية تمارينا على استخدام القوس والسهم على هدف ثابت، ثم على هدف متحرك، ثم على استخدام السيف في المواجهة القريبة.

دامت تدريباته لمدة شهرَين كامِلَين، حتى أتى اليوم المنشود، أول يوم يخرج فيه جايكوب أكرمان من نيوشيغانشينا كعضوٍ في فصيل دي ييغر. التحق جايكوب بالمعلم آيزاك في ساحة التدريبات قبل الظُّهر بقليل. حمل سَيفَه وقَوسه وسهامه، واستلم من معلمه رِداء القناص المصنوع من أوراق النباتات، وأخذ مسؤولية أحد كلاب الصيد. اجتمع أعضاء دي ييغر مع كلابهم واصطفوا منتظرين وصول الزعيم ستُوِيك لِيَأذن لهم بالخروج. وصل الزعيم مع الظُّهر بالضبط، وأعطاهم الإذن وتمنى لهم رحلة آمنة، فهتف الجميع بعبارتهم المعتادة ثلاث مرات: wir sind die Jäger، واتجهوا خلف قائدهم آيزاك بخطوات متسارعة نحو الأشجار الكثيفة إلى الخارج.

--- يُتبَع في الفصل الرابع إن شاء الله

إرسال تعليق

0 تعليقات