اخر الاخبار

قصة ‏ضحية

أبي! انهض يا أبي! اخرج من تحت الصخرة، أرجوك. أبي أرجوك أجبني. أنا خائفة يا أبي. لا تتركني وحدي هنا...

استيقظتُ هذا الصباح والفرحة تغمرني، فاليوم عيد ميلادي السادس. لقد أصبحتُ فتاة كبيرة. خرجتُ من غرفتي مسرعة إلى غرفة والِداي لإيقاظهما. استيقظَت أمي وقالت لي مبتسمةً ”عيد ميلاد سعيد يا صغيرتي ياسمين،“ فأجابها أبي ”بِنتي ياسمين فتاة كبيرة. لم تعد صغيرة بعد الآن.“ ارتميتُ في حضنه بفرح وأخبرته أنني أحبه، ثم استدرتُ إلىٰ أمي وأخبرتها أنني أحبها هي أيضا.

عادة ما يغادر أبي البيت باكرا للعمل ولا يعود إلا في ساعة متأخرة، لكنه قرر اليوم الذهاب متأخرا قليلا ليستطيع تناول وجبة الإفطار معي، ووعدني بأن يعود باكرا قليلا ليأخذني إلىٰ محل الألعاب بعد المدرسة لكي أختار هدية عيد ميلادي بنفسي.

وقفتُ عند الباب وودعته مغادرًا، ثم ذهبتُ مع أمي إلىٰ غرفتي لكي أتجهز للذهاب إلى المدرسة. مشطَت لي شعري وساعدتني علىٰ ارتداء فستاني الأزرق الذي أحبه، ثم جهزَت لي وجبة الغداء ووضعَتها في حقيبتي المدرسية. جلستُ أنتظرها في غرفة الجلوس بينما ذهبَت لِتُجهز نفسها هي الأخرى، فاليوم هو يوم الكنيسة، وأمي معتادة علىٰ الذهاب كل أسبوع. ارتدَت فستانها وحملَت قلادة الأسوار الثلاث وخرجنا معا.

أَوصَلتني أمي إلىٰ المدرسة وذهبَت في حالها. كنتُ سعيدة جدا، ولم أستطع انتظار انتهاء فترة الدوام، لأن هذا اليوم، وعلىٰ غير العادة، سيأتي أبي لاصطحابي من المدرسة.

ونحن مع معلمنا في حجرة الدرس، فجأة شعرنا بأن الأرض تتزلزل تحت أقدامنا، ورأينا ضوءًا ساطعا يدخل عبر النوافذ وكأنه انفجار وسط المقاطعة. أمرَنا المعلم بالاختباء تحت الطاولات بسرعة، بينما أسرع هو للنافذة ليرىٰ ما يحدث. تَسَمَّرَ معلمُنا مكانه والصدمة بادية علىٰ وجهه، وبدأ يُحَدِّثُ نفسه بصوت مرتجف ”لا أصدق! كيف حدث هذا؟ عملاقٌ في مقاطعة ستوهيس؟ كيف ونحن في سور سينا؟!“

هَمَّ الهلع داخل المدرسة. الكل كان يصرخ ويُوَلوِل. تم إخراجنا إلىٰ ساحة المدرسة خوفا من انهيار الأسقف علينا، فالخطوات التي كنا نسمعها كانت تهز الأرض. بدأ جل زملائي بالبكاء خوفا، بينما أنا كنتُ متمالكة نفسي. كان الآباء يأتون واحدا تلو الآخر لأخذ أبناءهم، وبقيتُ أنا من بين القلائل في انتظار أبي، وكنتُ الوحيدة من بين أولئك القلائل التي لم تكن تبكي مطلقا، فقد أصبحتُ فتاة كبيرة، وكنت أعلم أن أبي سيأتي ليأخذني بالتأكيد.

اقتربت الخطوات من المدرسة أكثر، وازداد معها الهلع والبكاء. وفجأة، عاد ذاك الضوء الساطع الذي يبدو كأنه انفجار، سمعنا بعده زمجرة صاخبة تصعق الآذان، وتبعها صوت خطوات متسارعة ثم صوت انهيار مبنى. ذهب معلمنا لينظر من النافذة مجددا، فصرخ: ”هناك واحد آخر! هناك عملاقان داخل المقاطعة وهما يتقاتلان بالقرب منا.“

وصل أبي أخيرا إلى المدرسة وهو يلهث من شدة التعب. لابد أنه أتىٰ راكضا من مقر عمله البعيد. ضمني في حضنه وانهمرت الدموع من عينيه قائلا: ”سعيد لأنك بخير يا صغيرتي. علينا الذهاب لإحضار أمك من الكنيسة.“ خرجنا من باب المدرسة، فوجدنا الكل في حالة ذعر شديد. الكل كان هاربا في اتجاه واحد، بينما أبي الذي كان ممسكا بيدي كان واقفا مكانه ينظر في الاتجاه المعاكس، في الاتجاه حيث يتقاتل العملاقان. نظرت إليه لأسأله إن كانت أمي في ذاك الاتجاه، لكنه لم يجبني.

لم يجبني أبي حينها لأن صخرة كبيرة سقطت عليه. أردتُ طلب المساعدة من رجلٍ كان يركض باتجاهنا، كنتُ أريده أن يزيح الصخرة عن أبي، لكن قبل أن أفتح فمي لأناديه حتىٰ سقط والدم يتناثر منه. كانت الصخور تنهمر علىٰ الشارع كالمطر، وكان كل من حولي يسقطون واحدا تلو الآخر ودمائهم متناثرة على الأرض والجدران. لم يكن هناك من يساعد أبي.

أنا خائفة يا أبي. لا تتركني وحدي هنا. ماذا سأفعل من دونك يا أبي؟! أمي، أين هي؟ تذكرت، لقد ذهبَت للكنيسة. لقد كنتَ تنظر في هذا الاتجاه، لعلها هناك. سأذهب للبحث عنها...

أمي! أين أنتِ؟ أرجوك يا أمي، كوني بخير، وتعالي ساعدي أبي.

إرسال تعليق

0 تعليقات